العمل بالضعيف



****علماء الحديث الأوائل كانوا يطلقون مصطلح "حديث ضعيف " على الحديث الحسن لذاته ، أى الدرجة الرابعة من الحديث الصحيح
****
فمصطلح " حديث حسن " لم يكن على عهدهم
لأن أول من وضع مصطلح "حديث حسن " و جعله قسيما للصحيح و الضعيف ، كان هو الإمام الترمذي
و اختلف العلماء في مراده بمصطلح " حديث حسن "
_______________
ما عُمِل بحديث ضعيف إلا و أُميت حديث صحيح مقابله
*******
أصل مهم :-
قال النبي صلى الله عليه و على آله و سلم
(( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))
وقال أيضا : (( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ))
وقال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ))
. وهذا الحديث نص في التثبت في الرواية ،ونقل الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم
خشية الكذب عليه
فكيف بمن يعرف أنه يروي حديثا ضعيفا قد يكون النبي قاله وقد لا يكون ؟
فإن كان قاله ،ولم نروه فهناك الصحيح عنه ،
وإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فقد كذبنا عليه ،

وإذا كان في الحديث نهي عن رواية الحديث الضعيف فمن باب أولى النهي عن العمل به
*******

أقوال العلماء المحققين في ترجيح القول بعدم الأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال
الشيخ ابن باز يلخص الكلام في سهولة و بساطة فيقول حينما سئل عن ذلك
هل يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في فضائل الأعمال؟
أما الموضوعة فلا، يجب بيان بطلانها ولا يستدل بها، وهي مكذوبة فهي لا أساس لها ولا أصل لها، أما الضعيفة لضعف بعض الرواة أو لعنعنة بعض المدلسين أو ما أشبه ذلك، لكن ليس بموضوعة، بل فيها ضعف في رواتها ضعف أما أن يكون قلة حفظ، أو لغير هذا من أسباب الضعف، فهذه ذكر العلماء أنه يحتج بها إذا تعددت طرقها اثنين فأكثر، وتكون من باب الحسن لغيره، وتذكر في باب الترغيب والترهيب،
يقول الحافظ العراقي: وسهلوا: يعني أئمة الحديث. وسهلوا في غير موضوع رووا *** من غير تبيين لضعف ورأوا بيانه في الحكم والعقائد ***
عن ابن مهدي وغير واحد فأهل العلم في الحديث يتساهلون عن الضعيف في الفضائل والترهيب.
أما في العقائد لا بد من الأحاديث الصحيحة، فيما أوجب الله، وفيما حرم الله، وفي صفات الله وأسماء الله وأمر الجنة والنار، والآخرة ونحو ذلك. أما فضائل الأعمال؛ فضل الصلاة فضل الصوم، فضل الصدقة، يتساهلون في الأحاديث الضعيفة، ولا سيما إذا تعددت طرقها من طريقين أو أكثر، فتكون من باب الحسن لغيره.
يعنى الخلاصة أن :-
الضعيف في قولهم "يجوز رواية الضعيف في الفضائل " هو الضعيف الذي بمرتبة الحسن لغيره يعنى يكون في النهاية نوعاً من أنواع الحديث الصحيح.. و نحن لا يمكننا معرفة حكم حديث ، فهذا علم خاص جداً ، لا يعرفه أى عالم بل علماء الحديث خاصة

~*~*~*~*~*~*~*~

وممن قال بذلك ((الإمام البخاري ، والإمام مسلم ، والإمام أبو زكريا النيسابوري ، والإمام أبو زرعة الرازي ، والإمام أبو حاتم الرازي ، والإمام إبن أبي حاتم الرازي ، والإمام ابن حِبان ، والإمام أبو سليمان الخطابي ، والإمام ابن حزم الظاهري ، والإمام أبو بكر بن العربي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام أبو شامة المقدسي ، والإمام جلال الدين الدواني ، والإمام الشوكاني ، وأختار هذا القول العلامة جمال الدين القاسمي ، والعلامة حسن صديق خان ، والمُحدث أحمد شاكر ، والمحدث الألباني ، والمحدث مقبل بن هادي الوادعي)) .

قال الإمام مسلم بن الحجاج ”وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث ، وناقلي الأخبار ، وأفتوا بذالك لما فيه من عظيم الخطر ، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب“ [مُقدمة صحيح مسلم (1/28)] .

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ”وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمته (يعني الصحيح) يقتضي أنه لا تُروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا ممن تُروى عنه الأحكام“ [شرح علل الترمذي (2/112)] .

وقال الإمام ابن العربي ”لا يجوز العمل بالحديث الضعيف مُطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها“ [تدريب الراوي (1/252)] .

وقال الإمام ابن الجوزي ”إن قوماً منهم القصاص كانوا يضعون أحاديث الترغيب والترهيب ، ولبَسَ عليهم إبليس بأننا نقصد حث الناس على الخير وكفهم عن الشر ، وهذا إفتأت منهم على الشريعة ؛ لأنها عندهم على هذا الفعل ناقصة تحتاج إلى تتمة ، ثم نسوا قوله صلى الله عليه و سلم (مَن كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعدَه من النار)“ [تلبيس إبليس (ص124)] .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ”ولا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة“ [القاعد الجليلة في التوسل والوسيلة (ص82)] .
وقال أيضاً ”ولم يقل أحد الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مُستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع“ [مجموع الفتاوى (1/250)] .

وقال العلامة اللكنوي ”ويُحرم التساهل في (الحديث الضعيف) سواءً كان في الأحكام أو القصص أو الترغيب أو الترهيب أو غير ذالك“ [الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص21)] .

وقال العلامة جمال الدين القاسمي ”إعلم أنَّ هناك جماعة من الأئمة لا يرونَ العمل بالحديث الضعيف مُطلقاً كابن معين والبخاري ومسلم وأبي بكر بن العربي وإبن حزم“ [قواعد التحديث (ص113)] .

وقال العلامة حبيب الرحمن الأعظمي ”ولكن الحديث قدرَ ما كان بعيداً عن وسمة الضعف ، ونقياً من شائبة الوهم ، كان أشدُ وقعاً في القلوب وتأثيراً في النفوس لزيادة الثقة به ، واطمئنان النفس إليه“ [مُقدمة مختصر الترغيب والترهيب (ص06)] .
وقال المُحدث أحمد شاكر ”والذي أراه أنَّ بيان الضعف في الحديث واجب على كل حال ، ولا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة ، بل لا حُجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله من حديث صحيح أو حسن“ [الباعث الحثيث (ص101)] .

وهذا القول اختاره المحدث محمد ناصر الدين الألباني [أنظر صحيح الترغيب والترهيب (1/47)] .

وقال رحمه الله ”العمل بالضعيف فيه خلاف عند العلماء ، والذي أُدينُ الله به ، وأدعوا الناس إليه ، أنَّ الحديث الضعيف لا يُعمل به مُطلقاً لا في الفضائل ولا المُستحبات ولا غيرها“ [صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/49)] .

وقال أيضاً ”وخُلاصة القول أنَّ العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا يجوز القول به على التفسير المرجوح هو لا أصل له ، ولا دليل عليه“ [تمام المنة (ص38)] .

وقال أيضاً ”فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف لأنه تشريع ، ولا يجوز بالحديث الضعيف لأنه لا يُفيد إلا الظن المرجوح إتفاقاً ؛ فكيف يجوز العمل بعلته“ [سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/52)] .

وقال المحدث مُقبل بن هادي الوادعي ”والعلماء الذين فصلوا بين الحديث الضعيف في فضائل الأعمال وبينه في الأحكام والعقائد ، يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه (الفوائد المجموعة) : ((إنه شرع ، ومن أدعى التفصيل فعليه بالبرهان)) ، والأمر كما يقول الشوكاني رحمه الله ، والنبي صلى الله عليه و سلم يقول ((من حدَّثَ عني بحديث يرى أنه كذِّب فهو أحد الكذابين))“ [المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح (السؤال 213)(ص108)] .

______________

قال الشيخ الدكتور عبدالكريم الخضير سدده الله في كتابه (الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به) بعد ذكر الخلاف في هذه المسألة ”ومن خلال ما تقدم يترجح عدم الأخذ بالحديث الضعيف مُطلقاً لا في الأحكام ولا في غيرها لما يلي :
أولاً : لإتفاق علماء الحديث على تسمية الضعيف بالمردود .
ثانياً : لأن الضعيف لا يُفيد إلا الظن المرجوح ، والظن لا يُغني من الحق شيأً .
ثالثاً : لِما ترتب على تجويز الاحتجاج به من تركٍ للبحث عن الأحاديث الصحيحة والاكتفاء بالضعيفة
رابعاً : لِما ترتب عليه نشوء البدع والخُرافات والبعد عن المنهج الصحيح“

وقال العلامة الشيخ إبن عثيمين في شرح البيقونية ”والحمدُّ لله فإن في القرآن الكريم والسنة المُطهرة الصحيحة ما يُغني عن هذه الأحاديث“

وقال المحدث مقبل بن هادي الوادعي ”فالحديث الضعيف لا يُحتاج إليه وفي الصحيح من سنة رسول الله ما يُغني عن الضعيف“ [المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح (السؤال 213)]

وقال أيضاً ”ثم إن هؤلاء اللذين يقولون يُعمل به خصوصاً من المُعاصرين تجِدُه لا يعرف الحديث الضعيف ، ولا يدْري لماذا ضُعف“ [المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح (السؤال 213)] .

و قال الدكتور عبد الكريم الخضير أيضاً :

فالمرجح أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، يعني الضعيف الباقي على ضعفه، وليس له ما يشهد له، بعضهم يرى أن الحديث الضعيف تلقي بالقبول مثلاً، فيعمل به للتلقي بالقبول، وهذه جادة معروفة عند أهل العلم، بعضهم يقول: إذا كان الضعيف مندرجاً تحت أصل عام، وهذا من شروط الجمهور في قبوله، أو يندرج تحت قاعدة كلية؛ فإنه يعمل به، وعلى كل حال هذا القول، والتوسع فيه جعل كثير ممن ينتسب إلى العلم لا يعنى بالصحيحين، وغيرهما، بل يعنى بأحاديث تسند، وتدعم ما يذهب إليه من أقوال، فلو كان معوله على الأحاديث الصحيحة، أو على الأقل الأحاديث المقبولة من صحيحة، وحسنة، ولا يتشاغل بالضعيف؛ لا شك أنه لن يقع في مخالفة بإذن الله -جل وعلا-، ولن يصده ذلك عن تحصيل الدين على وجهه كما أنزل، وما أوتيت الأمة في كثير من تصرفات المبتدعة إلا من قبل الأحاديث الضعيفة، ومع الأسف أن الأحاديث الضعيفة تملأ كتب التفسير، وتملأ كتب الفقه، وتجدهم يستدلون بالضعيف، فضلاً عن كتب التواريخ، والأدب، والكتب غير المتخصصة، ففيها من ذلك الشيء الكثير، بل فيها بعض الموضوعات.
والله أعلم.

_____________


و فسر ابن تيمية قول الإمام أحمد بخصوص الحديث الضعيف في الفضائل فقال :-

(( ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذى ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومَن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين: صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به، وإلى ضعيف حسن.. وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه، والحسن عنده ما تعددت طرقه، ولم يكن في رواته متهم، وليس بشاذ فهذا الحديث، وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به. ولهذا مثَّل أحمد الحديثَ الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما وهذا مبسوط في موضعه ))

وقال ابن القيم : (( الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن. ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف . وللضعيف عنده مراتب ، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه ، ولا قول صاحب ، ولا إجماعاً على خلافه ، كان العمل به عنده أولى من القياس ))

وقال أيضاً ابن رجب : (( وكان الإمام أحمد يحتج بالضعيف الذي لم يرد خلافه، ومراده بالضعيف قريب من مراد الترمذي بالحسن ))

"وقال الشوكاني في وبل الغمام (1/54) :
(وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام ، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعاً ، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل ، ولو كان في فضائل الأعمال ، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العامل به ، وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر ، لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع ، ولم يكن فعل ما لم يثبت مصلحة خالصة ، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح .. ، وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلاً تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك ، وإلا فلا ، مثلاً : لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت كراهة فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضلية الصلاة مطلقا إلا ما خص . يقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ؛ وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطاعة مشوبا ببدعة ، من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع) اهـ

وقال ابن حجر في تبيين العجب (22) :
(لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو الفضائل ، إذ الكل شرع) اهـ" (حاشية كتاب [أصول الفقه على منهج أهل الحديث] لزكريا بن غلام قادر الباكستاني)

وقال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
القاعدة الحادية عشرة : لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مع بيان ضعفه :
لقد جرى كثير من المؤلفين ولاسيما في العصر الحاضر على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها ، جهلا منهم بالسنة ، أو رغبة أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها ، وبعض هؤلاء - أعني المتخصصين - يتساهلون في ذلك في أحاديث فضائل الأعمال خاصة ! قال أبو شامة (حاشية في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" [ص 54]) :
(وهذا عند المحققين من أهل الحديث وعند علماء الأصول والفقه خطأ ، بل ينبغي أن يبين أمره إن علم ، وإلا دخل تحت الوعيد في قوله صلى الله عليه وآله : ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) رواه مسلم).
هذا حكم من سكت عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل! فكيف إذا كانت في الأحكام ونحوها ؟ واعلم أن من يفعل ذلك فهو أحد رجلين :
1- إما أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا ينبه على ضعفها ، فهو غاش للمسلمين ، وداخل حتما في الوعيد المذكور .
قال ابن حبان في كتابه (الضعفاء) [1/7-8] :
(في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي مما تقول عليه وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين ، على أن ظاهر الخبر ما هو أشد ، قال صلى الله عليه وآله : ((من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب ...)) ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب ، فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر) .

ونقله ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) [ص 165-166] ، وأقره .
2- وإما أن لا يعرف ضعفها ، فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وآله دون علم ، وقد قال صلى الله عليه وآله : ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) (حاشية رواه مسلم [برقم 5] في مقدمة صحيحه، وهو مخرج في الصحيحة [205]) ، فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، لأنه قد أشار صلى الله عليه وآله أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه صلى الله عليه وآله لا محالة ، فكان بسبب ذلك أحد الكاذبين .
الأول : الذي افتراه ، والآخر : هذا الذي نشره! قال ابن حبان أيضا [1/9] :
(في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته)
وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يقدم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا. (حاشية راجع [قواعد التحديث])
وراجع (التمهيد) في مقدمة الضعيفة [ص 10-12] .


القاعدة الثانية عشرة : ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:
اشتهر بين كثير من أهل العلم وطلابه أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال ، ويظنون أنه لا خلاف في ذلك ، كيف لا والنووي رحمه الله نقل الاتفاق عليه في أكثر من كتاب واحد من كتبه ؟ وفيما نقله نظر بين ، لأن الخلاف في ذلك معروف ، فإن بعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقا ، لا في الأحكام ولا في الفضائل .قال الشيخ القاسمي رحمه الله في (قواعد التحديث) [ص 94] :
(حكاه ابن سيد الناس في (عيون الأثر) عن يحيى بن معين ، ونسبه في (فتح المغيث) لأبي بكر بن العربي ، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا ... وهو مذهب ابن حزم ...).
قلت (الألباني) : وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور :
الأول : أن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح ، ولا يجوز العمل به اتفاقا ، فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضعيف في الفضائل لا بد أن يأتي بدليل ، وهيهات!
الثاني : أنني أفهم من قولهم : (... في فضائل الأعمال) ، أي الأعمال التي ثبتت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعا ، ويكون معه حديث ضعيف ، يسمى أجرا خاصا لمن عمل به ، ففي مثل هذا يعمل به في فضائل الأعمال ، لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به ، وإنما فيه بيان فضل خاص يرجى أن يناله العامل به .
وعلى هذا المعنى حمل القول المذكور بعض العلماء كالشيخ علي القاري رحمه الله ، فقال في (المرقاة) [2/381] : (قوله : إن الحديث الضعيف يعمل به في الفضائل وإن لم يعتضد إجماعا كما قاله النووي ، محله الفضائل الثابتة من كتاب أو سنة) .
وعلى هذا ، فالعمل به جائز إن ثبت مشروعية العمل الذي فيه بغيره مما تقوم به الحجة ، ولكني أعتقد أن جمهور القائلين بهذا القول لا يريدون منه هذا المعنى مع وضوحه ، لأننا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة ، مثل استحباب النووي وتبعه المؤلف إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله : (أقامها الله وأدامها) ، مع أن الحديث الوارد في ذلك ضعيف كما سيأتي بيانه ، فهذا قول لم يثبت مشروعيته في غير هذا الحديث الضعيف ، ومع ذلك فقد استحبوا ذلك ، مع أن الاستحباب حكم من الأحكام الخمسة التي لا بد لإثباتها من دليل تقوم به الحجة ، وكم هناك من أمور عديدة شرعوها للناس واستحبوها لهم إنما شرعوها بأحاديث ضعيفة لا أصل لما تضمنته من العمل في السنة الصحيحة ، ولا يتسع المقام لضرب الأمثلة على ذلك وحسبنا ما ذكرته من هذا المثال ، وفي الكتاب أمثلة كثيرة سيأتي التنبيه عليها في مواطنها إن شاء الله .

على أن المهم ههنا أن يعلم المخالفون أن العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه عند القائلين به ، فقد قال الحافظ ابن حجر في (تبيين العجب) [ص 3-4] : (اشتهر أن أهل العلم يتساهلون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف ما لم تكن موضوعة ، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا ، وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيشرع ما ليس بشرع ، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره ، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وآله : ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) ، فكيف بمن عمل به؟! ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع).
فهذه شروط ثلاثة مهمة لجواز العمل به :
1- أن لا يكون موضوعا .
2- أن يعرف العامل به كونه ضعيفا .
3- أن لا يشهر العمل به .
ومن المؤسف أن نرى كثيرا من العلماء فضلا عن العامة متساهلين بهذه الشروط ، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه ، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره ، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به .

ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثا صحيحا !
ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين ، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد الثابتة .

ثم إن هذه الشروط ترجح ما ذهبنا إليه من أن الجمهور لا يريد المعنى الذي رجحناه آنفا ، لأن هذا لا يشترط فيه شيء من هذه الشروط كما لا يخفى .
ويبدو لي أن الحافظ رحمه الله يميل إلى عدم جواز العمل بالضعيف بالمعنى المرجوح لقوله فيما تقدم : (... ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل ، إذ الكل شرع) .
وهذا حق ، لأن الحديث الضعيف الذي لا يوجد ما يعضده يحتمل أن يكون كذبا ، بل هو على الغالب كذب موضوع ، وقد جزم بذلك بعض العلماء فهو ممن يشمله قوله صلى الله عليه وآله : (( ... يرى أنه كذب)) ، أي يظهر أنه كذلك.
ولذلك عقبه الحافظ بقوله : (فكيف بمن عمل به ؟) ،

ويؤيد هذا ما سبق نقله عن ابن حبان في القاعدة الحادية عشرة : (فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح ، داخل في الخبر) ، فنقول كما قالالحافظ : (فكيف بمن عمل به ؟!).

فهذا توضيح مراد الحافظ بقوله المذكور ، وأما حمله على أنه أراد الحديث الموضوع وأنه هو الذي لا فرق في العمل به في الأحكام أو الفضائل - كما فعل بعض مشايخ حلب المعاصرين - فبعيد جداً عن سياق كلام الحافظ ، إذ هو في الحديث الضعيف لا الموضوع كما لا يخفى ! ولا ينافي ما ذكرنا أن الحافظ ذكر الشروط للعمل بالضعيف كما ظن ذلك الشيخ لأننا نقول : إنما ذكرها الحافظ لأولئك الذين ذكر عنهم أنهم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل ما لم تكن موضوعة فكأنه يقول لهم : إذا رأيتم ذلك فينبغي أن تتقيدوا بهذه الشروط ، وهذا كما فعلته أنا في هذه القاعدة ، والحافظ لم يصرح بأنه معهم في الجواز بهذه الشروط ، ولاسيما أنه أفاد في آخر كلامه أنه على خلاف ذلك كما بينا .

وخلاصة القول أن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا يجوز القول به على التفسير المرجوح ، إذ هو خلاف الأصل ولا دليل عليه ، ولا بد لمن يقول به أن يلاحظ بعين الاعتبار الشروط المذكورة وأن يلتزمها في عمله، والله الموفق .

ثم إن من مفاسد القول المخالف لما رجحناه أنه يجر المخالفين إلى تعدي دائرة الفضائل إلى القول به في الأحكام الشرعية ، بل والعقائد أيضا ، وعندي أمثلة كثيرة على ذلك ، لكني أكتفي منها بمثال واحد . فهناك حديث يأمر بأن يخط المصلي ببن يديه خطا إذا لم يجد سترة ، ومع أن البيهقي والنووي هما من الذين صرحوا بضعفه فقد أجازا العمل به خلافا لإمامهما الشافعي ، وسيأتي مناقشة قولهما في ذلك عند الكلام على الحديث المذكور .
ومن شاء زيادة بيان وتفصيل في هذا البحث الهام فليراجع مقدمة "صحيح الترغيب" (1/16-36)" اهـ (حاشية [تمام المنة ص 32-38])

وقال رحمه الله :
"والذي أعتقده وأدين الله به أن الحق في هذه المسألة مع العلماء الذين ذهبوا إلى ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وذلك لأمور :

أولا : أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن اتفاقا والعمل بالظن لا يجوز لقوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } [ النجم : 28 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم والظن فإنه أكذب الحديث)).

ثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب الرواية عنه إلا ما علمنا صحته عنه فقال : ((اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم)) ومن المعلوم أن رواية الحديث إنما هي وسيلة للعمل بما ثبت فيه فإذا كان عليه الصلاة والسلام ينهانا عن رواية ما لم يثبت عنه فمن باب أولى أن ينهى عن العمل به . وهذا بين واضح .
ثالثا : أن فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم غنية عما لم يثبت كما هو الأمر في هذه المسألة فإن هذا الحديث الصحيح بعمومه يغني عن الحديث الضعيف" اهـ (حاشية الثمر المستطاب [1/218])
وأختم الكلام بفتوى مفرغة للشيخ عبيد الجابري - نصها :
السائل: كيف يكون الحديث ضعيفاً وتتلقاه الأمة بالقبول ويعمل به ؟
الشيخ :
أولاً: أنا لا أجيز العمل بالحديث الضعيف لا في الأحكام ولا في فضائل الأعمال، لأن فضائل الأعمال أحكام.
وثانياً: ما أشارت إليه السائلة من قول بعض أهل العلم ضعيف وتلقته الأمة بالقبول هذا الذي يصح معنا بالشواهد يصح معناه بالشواهد)
و الموضوع ذيله طويل جداً ، فليقتصر طالب الحق على الأصول النافعة و القواعد الجامعة و بالله كل توفيق
رد مع اقتباس